لنتفق ابتداءً بأن حق المؤلف ينشأ فور نشر العمل سواء كان فنيا أو أدبيا، مثل (الرسومات، الصور الفوتوغرافية، الكتب، المقالات، القصائد، التغريدات، الأفلام التسجيلات الموسيقية، البث، الأداء، الكود البرمجي… إلخ).

اليوم كذلك يوجد لبس شائع بأن حماية حق المؤلف تحتاج إلى نوع من الإجراءات الرسمية مثل التسجيل أو الإيداع لدى مكتبة الملك فهد الوطنية، أو الفسح لدى هيئة الإعلام المرئي والمسموع ويستصدر شهادة فسح مصنف. حق المؤلف ينشأ تلقائيا، إذن لماذا قد نحتاج إلى تسجيل للمصنفات وإن كان اختياريا؟

في البداية دعونا نستعرض لمحة تاريخية عن التسجيل. قبل اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية كان لكل دوله تنظيمها الخاص لحماية حق المؤلف وكان هناك تباين حول ربط حماية حق المؤلف بالتسجيل أو بعض الإجراءات الشكلية مثل وضع علامة ©، اتفاقية بيرن حظرت في المادة الخامسة ربط حق المؤلف بأي إجراءات شكلية، لذا اختفت الإجراءات الشكلية تدريجيا خلال العقود الثلاثة الأخيرة خاصة بعد انضمام عدد من الدول المؤثرة في الاتفاقية خصوصا الولايات المتحدة والصين كذلك المملكة انضمت في 2004. ولكن في السنوات الأخيرة تنامت الحاجة إلى التسجيل (الاختياري) فمثلا في الصين هناك زيادة سنوية في تسجيل المصنفات تقارب 50% عن السنة التي قبلها.

لدينا في المملكة، في 20/12/1440 أصدرت الهيئة السعودية للملكية الفكرية لائحة التسجيل الاختياري لمصنفات حقوق المؤلف، وتأتي استجابة لتطلعات الكثير من المبدعين وأصحاب الحقوق الفنية والأدبية، والمقصود بتسجيل المصنفات هو قيدها الكترونيا في سجل عام لدى الهيئة، والسجل هو عبارة عن قاعدة بيانات يوثق فيها بيانات المصنف بما في ذلك اسم المؤلف، وتاريخ القيد، الحقوق والتصرفات التي تطرأ عليه من نقل ملكية وتأجير ونحوه.

نعود إلى السؤال: ما دام المصنف محمي تلقائيا فور إنتاجه، إذن لماذا نحتاج إلى التسجيل؟ ولماذا برزت أهميته في السنوات الأخيرة؟ لعدة أسباب وفوائد:

  1. إنشاء سجل وطني عام موثوق للملكية مثلها مثل كتابة العدل في صكوك العقارات.

  2. التسجيل يساهم في رفع قيمة العمل الفني والأدبي قانونيا من خلال تعزيز الثقة في التعاملات والتصرفات التي ترد عليه، واقتصاديا من ناحية قيمة العمل. إذا نظرنا للتطبيقات الالكترونية مثلا أو نحوها من الأعمال، وجود شهادة للمصنف يرفع من قيمة العمل استنادا إلى الموثوقية.

  3. السجل يمثل رصد ومحتوى للإرث الثقافي والفني، إذ أن المعلومات الواردة في السجلات الوطنية ليست ذات قيمة في العلاقات القانونية والاقتصادية فحسب، بل تخدم المصلحة العامة من خلال توفير مصدر للإحصاءات ومؤشرات عن الإبداع والثقافة. هذا السجل مستودعًا للتراث الثقافي والتاريخي للإبداع الوطني خاصة مع ما نشاهده من تنامي هذه المجالات ودعمها. في الرسم والموسيقى والسينما وغيرها.

  4. التسجيل كذلك من الناحية القانونية يدرأ كثيرا من التعديات قبل وقوعها، فعندما يكون لدى المؤلف شهادة على مصنفه ويبرز رقمها مصاحبة للعمل سواء على المنصات الالكترونية أو غيرها يقلل الفرصة من وقوع التعدي. وحتى إذا حصل تعدي، مجرد إشعار المعتدي بوجود تسجيل قد يكون كفيلا بإيقاف التعدي والتسوية بدلا من الحاجة لرفع دعوى.

  5. أيضا من أهم فوائد التسجيل هو عند وقوع تعدي على المصنف أو نزاع حول ملكية المصنف، وهذا كثيرا ما يحدث، فالتسجيل شهادة موثوقة لإثبات الملكية والأسبقية بتاريخ محدد، لذا عندما تسجل فأنت تنقل عبء الإثبات على الطرف الآخر الذي ينازع في الملكية بملكيته وأسبقيته للمصنف.

  6. كذلك برزت أهمية التسجيل في السنوات الأخيرة، مع تطور التكنولوجيا الرقمية والتدفق الهائل للمحتوى وعشرات من المبدعين ، وغالبا لا يمكن تحديد هوية أصحابها أو توفر طرق للاتصال بهم، باتت الحاجة ملحة لوجود بيانات دقيقة ومتاحة بسهولة وسجل للملكية. لذا أثبتت تجارب الدول الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه التسجيل في تسهيل ممارسة الحقوق وكوسيلة لإثبات وجود العمل أو ملكيته. لذا كانت أهمية التسجيل في هذا السياق للحد من الأعمال المجهولة أو ما يسمى بالمصنفات اليتيمة Orphan works وهي الأعمال التي لا يعرف صاحبها أو يتعذر الوصول إليه. بعض الدراسات تقدرها بعشرات الملايين من الأعمال. وأغلب هذه الأعمال صورا حديثة أو صورا تاريخية وتسجيلات موسيقية وأعمال روائية وأدبية. ونحن إذ نتحدث هنا عن حاجة فعلية لشركات الإنتاج الإعلامي مثلا في الأفلام أو ألعاب الفيديو، إلى استخدام العيد من الأعمال المجهولة. ولكن الخشية من الوقوع تحت طائلة المسؤولية. وبالمناسبة شرعت العديد من الدول في السنوات الأخيرة مثل كندا والاتحاد الأوربي وبريطانيا إلى تنظيم التراخيص لاستخدام المصنفات المجهولة. ولدينا في المادة الثلاثون من اللائحة التنفيذية لنظام حماية حقوق المؤلف نظمت مثل الترخيص للأعمال اليتيمة. وابتداء: فإن إتاحة التسجيل الاختياري للمصنفات والتشجيع عليه يقلل من وجود المصنفات اليتيمة

  7. كذلك قد يستفيد مالكو العلامات التجارية بتسجيل علاماتهم “شعارهم” كمصنفات فنية، حيث أن نظام العلامات التجارية يمنح تسجيل العلامة على فئة أو فئات محددة بينما العلامة التجارية إذا كان مميزة يمكن تسجيلها كمصنف ويتمتع صاحبها بحقوق إضافية إذا تم التعدي على العلامة في فئة غير مسجل عليها.

  8. أيضا فيما يتعلق بالتدابير الحدودية، وجود تسجيل للمصنف يسهل على صاحب حق المؤلف طلب إيقاف تصدير أو استيراد هذه المصنفات حال وصولها للحدود. والتسجيل كذلك يسهل على موظفي الهيئة في مكتبهم عند المنفذ الحدودي اكتشاف التعديات على المصنفات ومن ثم وقف إجراء الإفراج عن هذه المصنفات.

نظرة سريعة على لائحة التسجيل الاختياري للمصنفات: نجد أن شهادة التسجيل تصدر خلال ستين يوما من تاريخ سداد المقابل المالي للفحص أو من تاريخ استيفاء المتطلبات الإضافية. وهذه مدة تعد قصيرة مقارنة بأغلب الدول التي لديها تسجيل.

أما رسوم التسجيل فيما يظهر حاليا يتكون في حدود 200 ريال للمصنف بالنسبة للأفراد. طبعا قد يكون الرقم كبيرا على مدون ينشر مقالات باستمرار، ولكن الأفضل عدم تسجيل مقالة واحد كل مرة ولكن تسجل كمجموعة من الأعمال.

التحديات:

التقنية غيرت كثير من أساليب التعاملات ولا يزال يشوب الأنظمة بشكل عام بعض القصور لمواكبة التطور التقني، لهذا نشأت كثير من الحلول والأساليب التقنية مثل رخص المشاع الإبداعي ويتعامل بها أبرز مواقع البيع والترخيص على الإنترنت. هذه الرخص نظمت استخدام المصنفات عبر الإنترنت ومنحت أصحاب الحقوق باقة من الخيارات لترخيص استخدام مصنفاتهم بشكل سلسل وفعال. حيث أتاحت بدائل غير “جميع الحقوق محفوظة” المعتادة (شرح عن أمثلة لهذه التراخيص: النسبة، الاستخدام التجاري، الاشتقاق).

من التحديات كذلك، أن كثير من الخلافات تنشأ قبل حتى نشر الأعمال أو اكتمالها خصوصا في المشاريع التقنية. لدينا لائحة تسجيل المصنفات نصت صراحة بأن يكون المصنف عند التسجيل في شكله النهائي وليس مسودة أو عمل تحضيري لإعداده. وهنا نشير إلى وجود بدائل حديثه وفعالة للتسجيل باستخدام تقنية البلوكتشين مثلا، والتي يمكن تسجيل المصنف من خلالها حتى قبل اكتماله، ويمكن تسجيل مجموعة من الأعمال مرة واحد.

أيضا من التحديات: أن الفحص شكلي وليس موضوعي، (شرح عن الفرق) في الولايات المتحدة يتم الفحص الموضوعي للبحث هل العمل على مستوى من الإبداع. وهذا يقلل فرص النزاعات ويسرع في إجراءات التقاضي لاحقا.

أحد التحديات في العصر الرقمي. اليوم يقام في مركز الملك فهد الثقافي معرض “الذكاء الاصطناعي”، لوحات فنية رسمت بمساعدة التقنية وتحكي قدرة الفنان على التعامل مع برمجة الخوارزميات الذكية وتطويعها لخدمة مهاراته. إذا كان التسجيل أو حق المؤلف معني بالدرجة الأولى بالجواب على سؤال من مالك المصنف؟ ففي الأعمال التي تتم بالذكاء الصناعي تحدي حول إجابة هذا السؤال.